عرض: ياسمين أيمن - باحثة في العلوم السياسية
قبل الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي أجريت في 3 نوفمبر المقبل، أصدرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تقريرها عن مهددات التي ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك من أجل بيان حجم الدور الذي يلعبه أكثر من 240 ألف موظف داخل الوزارة. وقد اعتمد هذا التقرير على معلومات استخباراتية وتحليلات للخبراء.
وقسم التقرير المهددات الأمريكية إلى التهديدات السيبرانية، ومحاولات التأثيرات الأجنبية على مجريات الشأن الأمريكي الداخلي، والتهديدات الاقتصادية، والإرهاب بمختلف أشكاله، إضافة إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وظاهرة الهجرة غير الشرعية، والكوارث الطبيعية. ويمكننا تلخيص أهم ما جاء في التقرير كما يلي.
أولًا- التهديدات السيبرانية:
استهل التقرير المهددات مشيرًا إلى أن التهديدات السيبرانية تأتي على رأس التهديدات التي تجابهها وزارة الأمن الداخلي، وقد قسمها إلى ثلاثة أنواع:
1- تهديدات الدول القومية: ركز التقرير على التهديدات الناجمة عن الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران. موضحًا أن أخطرها تلك الناجمة عن روسيا، والتي تمتلك قدرات إلكترونية كبيرة تُمكّنها من الحصول على معلومات سرية عسكرية واقتصادية وسياسية تضر بالأمن القومي الأمريكي، حيث تقوم موسكو بهجمات سيبرانية مستغلة الثغرات الموجودة بمختلف الشبكات الأمريكية، وتعمل من خلال هذا على تعطيل العمليات الحيوية داخل الدولة الأمريكية. جدير بالذكر أن روسيا تُجبر الشركات الروسية العاملة داخل الولايات المتحدة على التعاون معها.
وبالنسبة للصين؛ يرى التقرير أن بكين تهدد حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، ويتوقع التقرير تطور الهجمات السيبرانية الصينية، وتركيزها على مجالات الطاقة والدفاع والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع. فضلًا عما سبق، يشير التقرير لمحاولات الصين الدؤوبة للسيطرة على بناء شبكات الجيل الخامس عالميًّا، والذي يهدد الأمن القومي لكافة الدول، حيث ستستطيع بكين من خلال تلك الشبكات الوصول لمعلومات حساسة عن كافة الدول.
2- الجريمة الإلكترونية: وتتمثل في البرامج التي تطالب بالفدية، وكذا في عمليات الاحتيال عبر البريد الإلكتروني، وفي انتحال هويات الأشخاص وسرقة المعلومات الخاصة بهم من أجل ابتزازهم بها أو بيعها بمبالغ مالية كبيرة للأعداء الأجانب. وجراء تلك الجرائم بلغ حجم خسائر الولايات المتحدة في عام 2018 نحو2,7 مليار دولار أمريكي.
3- التهديدات السيبرانية للعملية الديمقراطية الأمريكية: يسعى الفاعلون من الدول وغير الدول للتأثير على الديمقراطية الأمريكية، عبر اختراق الشبكات الإلكترونية التابعة للولايات والتي يتخللها بعض أوجه القصور. ويتوقع التقرير زيادة الهجمات السيبرانية من قبل "مجرمي الإنترنت" على البنية التحتية الحيوية الأمريكية في سبيل الحصول على معلومات وبيعها لجهات أجنبية بمبالغ مالية كبيرة.
ثانيًا- محاولات التدخل الأجنبي:
يرى التقرير أن محاولات التدخلات الخارجية تسعى لتقويض النفوذ الأمريكي على المستوى الخارجي، وإثارة مشاعر الغضب والكراهية عند المواطنين على المستوى الداخلي، ويتم ذلك من خلال شن حرب معلومات مضللة؛ حيث تقوم روسيا -على سبيل المثال- بتضخيم الأخبار المرتبطة بالانقسامات السياسية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة، كما تعمل موسكو على إثارة الشائعات حول خصومها السياسيين الأمريكيين من أجل الإضرار بسمعتهم عند الرأي العام الأمريكي.
ويوضح التقرير أنه أثناء الجائحة قامت الصين وروسيا وإيران بمشاركة قصص مضللة كثيرة تتعلق بإخفاق الحكومة الأمريكية في التعامل مع الجائحة، ونجاح الحكومة الصينية والروسية والإيرانية في احتواء الجائحة، وذلك من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية، وإنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لتلك القصص المختلقة.
ويُضيف التقرير أن بكين وروسيا وطهران كانت تسعى للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وذلك من خلال حروب المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا محاولات الاختراق المستمرة للمواقع الإلكترونية المرتبطة بالعملية الانتخابية.
وتطرق التقرير إلى ذكر المحاولات الصينية المستمرة لاستغلال مسألة الاستقلال في القرارات التي تتمتع بها الولايات المختلفة داخل الولايات المتحدة، حيث تستخدم بكين سياسة "الجزرة والعصا" الاقتصادية داخل الولايات الأكثر ضعفًا، فيتم توقيع اتفاقيات ثقافية وتجارية وطبية تحقق لها تغلغلًا صينيًّا ناعمًا ومكاسب اقتصادية داخل الدولة الأمريكية.
ثالثًا- تهديد الأمن الاقتصادي الأمريكي:
ركز التقرير في هذا الجزء على الصين كمهدد رئيسي للأمن الاقتصادي الأمريكي. مشيرًا إلى أنه أثناء الجائحة، استغلت الصين تأثر سلاسل الإمداد الأمريكية، لتقوم بالترويج لبضائعها الطبية والعادية. وبالفعل نجحت بكين في تكوين روابط تجارية مع مجموعة من البلدان لإمدادهم بالأدوية غير الصالحة، ومعدات الحماية الطبية (التي لا تطابق المواصفات العالمية). وعلى سبيل المثال، تم تحريز نحو 750 ألف قناع طبي لا تطابق المواصفات المنصوص عليها، ومليون اختبار لوباء (كوفيد-19) غير مصرح بها داخل الولايات المتحدة.
فضلًا عما سبق، تعتمد الصين على البعثات الطلابية الخاصة بها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقوم بتجنيد هؤلاء الطلاب من أجل الاطلاع على أحدث ما توصلت له الجامعات والمؤسسات البحثية الأمريكية. ففي يناير 2020، تم اتهام طالب صيني متخرج في جامعة بوسطن، بتهريب أبحاث بيولوجية خاصة بالجامعة إلى الصين، من أجل استغلالها بشكل شخصي لاحقًا.
وفي إطار منع ذلك، تفرض الحكومة الأمريكية الآن رقابة على الطلاب الصينيين، وتقوم بتضييق عمليات سفرهم للولايات المتحدة. لذا، من المتوقع توجه الطلاب الصينيين فيما بعد للدراسة في دول أخرى غير الولايات المتحدة.
كما تطرق التقرير للاستثمارات الصينية التي لوحظ انخفاضها داخل الولايات المتحدة على مدار العشرين سنة الماضية، موضحًا أن بقية الاستثمارات الصينية قد تركزت في مجالات بعينها، مثل المجالات التكنولوجية. واسترسل التقرير موضحًا أنه على الرغم من تشديد رقابة الحكومة الأمريكية على الاستثمارات الأجنبية، إلا أن بكين قادرة على تجاوز ذلك عبر التخفي وراء كيانات وسيطة. وأكد التقرير أن الصين هي المنتهك الأول والرئيسي للقوانين التجارية الأمريكية وحقوق الملكية الفكرية، وهو ما يكبد الولايات المتحدة نحو 600 مليار دولار سنويًّا.
رابعًا- التهديدات الإرهابية:
رأى التقرير أن التهديدات الإرهابية تنبع بشكل أساسي من التطرف الداخلي، والمتمثل في الجماعات المناهضة للحكومة، والأفراد المتطرفين. وفرَّق التقرير بين نوعين من الجماعات المتطرفة، تَمَثَّل النوع الأول في "الجماعات المتطرفة المنزلية" التي تتكون من مواطنين أمريكيين لا يرتبطون بأيديولوجيات خارجية، ويعارضون الأحداث السياسية الأمريكية. فيما تَمَثَّل النوع الثاني في "الجماعات المتطرفة المحلية"، وتضم أفرادًا ليسوا بالضرورة أمريكيين، كما أنهم يدعمون أيديولوجيات متطرفة، ويعتبرون الجماعات الإرهابية الخارجية قدوة لهم.
وقد ساهمت الجماعات السابق الإشارة إليها في تعميق حدة الانقسامات الاجتماعية والسياسية داخل الولايات المتحدة في عام 2020. جدير بالذكر أن جائحة كورونا قد هيأت البيئة المناسبة لزيادة العنف داخل الولايات المتحدة، حيث عانى الأفراد من الوحدة وسوء الأوضاع الاقتصادية بسبب قواعد التباعد الاجتماعي والقيود التي فرضتها الجائحة، فزادت معدلات العنف داخل الدولة الأمريكية.
وإضافة للإرهاب الداخلي، ذكر التقرير الإرهاب الأجنبي الصادر عن المنظمات الإرهابية الأجنبية كتنظيمي "القاعدة" و"داعش". مشيرًا إلى أن تلك التنظيمات تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأيديولوجياتها المتطرفة أو لتجنيد الأفراد لتنفيذ عمليات إرهابية. وتسعى لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة، ولكن من غير المرجح تنفيذ تلك العمليات بالتزامن مع استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي تطبقها واشنطن على المستوى الداخلي، واستراتيجيات تضييق الخناق عليهم وتطويقهم على المستوى الخارجي. ومع ذلك فتلك الجماعات قد تستهدف الطائرات الأمريكية والمواقع العسكرية الأمريكية بالخارج.
وقد تطرق التقرير للمخاطر النابعة عن إيران عبر ذراعها العسكري "حزب الله" اللبناني، موضحًا أنها تسعى لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الدولة الأمريكية، فالأجهزة الأمريكية قد ألقت القبض سابقًا على أفراد مجندين داخل الولايات المتحدة يسعون لجمع معلومات استخباراتية لصالح إيران.
واختتم التقرير تلك الجزئية مشيرًا إلى "التهديدات البيولوجية والكيميائية والنووية" التي باتت أحد أشكال الحروب؛ فقد تتجه بعض الدول لشن حرب بيولوجية على الولايات المتحدة، مما سيؤثر على الأمن الصحي والغذائي بها. أما عن المخاطر النووية فقد زادت بصورة كبيرة بعد اتجاه عدد من القوى الدولية لتطوير قدراتها النووية، وهذا -بدوره- سيؤثر على الأمن النووي الأمريكي؛ لأنه قد يتم استهداف المنشآت النووية الأمريكية.
خامسًا- الجريمة المنظمة العابرة للحدود:
تطرّق التقرير في هذا الجزء إلى ثلاثة عناصر، أولها، "عصابات التهريب المكسيكية"، التي تعمل على تهريب البضائع باختلاف أنواعها، وكذلك البشر من خلال الحدود الجنوبية الغربية الأمريكية. وأوضح التقرير أن جائحة كورونا وعمليات غلق الحدود قد قللت من معدلات التهريب، لكنها على الجهة الأخرى ساهمت في زيادة معدلات العنف داخل المكسيك، وهذا بدوره يضر بأمن الحدود الأمريكية.
وتَمَثّل ثاني العناصر في "المخدرات غير المشروعة"، والتي تهدد حيوات المواطنين الأمريكيين، فأثناء إغلاق الحدود إبان الجائحة، وجد الموردون والجماعات المهربة سبلًا أخرى تتمثل في الولايات الأقل تأمينًا لتهريب المواد المخدرة الضارة كالهيروين، والكوكايين، والفنتانيل، والميثامفيتامين.
أما عن ثالث العناصر، فتمثل في "الاتجار بالبشر"، حيث نشطت تلك العملية أثناء جائحة كورونا، فقد تم إقناع الأشخاص بدفع مبالغ مالية كبيرة لتسهيل دخولهم للولايات المتحدة، ليتم استغلال البعض منهم لاحقًا كـ"عمالة مجبرة"، أو في عمليات الاتجار بالجنس سواء للكبار أو للأطفال.
سادسًا- الهجرة غير الشرعية:
أشار التقرير إلى أن الانقسامات حول ملف الهجرة داخل الدولة الأمريكية سيجعل مسألة الهجرة غير الشرعية مؤرقًا طويل الأمد للأمن القومي الأمريكي. وقد قسّم التقرير سبل الهجرة إلى نوعين هما: الهجرة غير الشرعية عبر البر، وعبر البحر. وأوضح أن الجائحة ساهمت في تقليل معدلات تدفق المهاجرين عبر البر من وسط وجنوب دول أمريكا الجنوبية، فضلًا عن منطقة البحر الكاريبي والمكسيك، ولكن مع عودة فتح الحدود من المتوقع زيادة معدلات الهجرة إلا أنها لن تعاود تحقيق مستويات ما قبل الجائحة.
وعن الهجرة غير الشرعية عبر البحر؛ توقع التقرير زيادتها بسبب التغيرات المناخية التي تشهدها منطقة البحر الكاريبي، وكذا مسألة غياب الأمن الغذائي داخل هايتي، فضلًا عن الاضطرابات السياسية بكوبا. مشيرًا إلى أن المهاجرين سيسعون للبحث عن مصادر رزق داخل الولايات المتحدة. وهذا بدوره يتطلب تواجدًا مكثفًا من قبل عناصر وزارة الأمن الداخلي داخل منطقة الساحل الأمريكي.
سابعًا- الكوارث الطبيعية:
شرح التقرير أن الولايات المتحدة شهدت أعلى معدل أعاصير خلال عام 2020؛ فحتى شهر سبتمبر وقع نحو 7 أعاصير مدارية، كما وقع حتى أول أكتوبر نحو 94 حريقًا من بينها 87 حريقًا في شهر سبتمبر وحده، وهو ما تسبب في خسارة نحو 5,37 ملايين فدان، وفي تلويث الهواء، وفقدان مساحات شاسعة من الغابات، وكل ما سبق يتطلب تدخلات فيدرالية وحكومية سريعة، كما يحتاج لتعاون بين القطاع العام والخاص من أجل توفير الموارد اللازمة لمواجهة تلك الكوارث والاستعداد لها.
وإجمالًا؛ تعاظمت المهدِّدات التي تجابهها الدولة الأمريكية، وهو ما يتطلب مجهودات وموارد كبيرة من قبل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، وذلك لضمان الحفاظ على استقرار وأمن الدولة الأمريكية، والمواطنين الأمريكيين بالتبعية.
المصدر:
"Homeland Threat Assessment", Homeland Security, October, 2020.